يرفض المركز المصري لحقوق المرأة مسودة قانون الأحوال الشخصية شكلا وموضوعا، ففي قراءة أولية لمسودة قانون الأحوال الشخصية التي نشرتها اليوم السابع بالأمس ٢٣ فبراير، وأشارت إلى أنها صادرة عن مجلس الوزراء نجد أنها صادمة ولا تتناسب مع مقتضيات العصر حيث تستند على أكثر الأفكار الفقهية انغلاقا وتشددا.
فتلغى الشخصية القانونية للنساء وتتعامل معهن باعتبارهن ناقصات الأهلية، كما تلغى أي حق للأمهات لمباشرة حياة أبناءهن ويعتبرهن ” مكنة تفريخ أطفال فقط”.
وصرحت نهاد أبو القمصان رئيسة المركز أن المسودة المطروحة احتوت على ثغرات عديدة منها:
- عدم الاعتراف بالأهلية القانونية للنساء حيث لا تستطيع عقد زواجها مهما بلغت من المكانة العلمية أو حتى السياسية، مما يجعل “وزيرة” تسطيع عقد عقود بمئات المليارات باسم الدولة لكنها تحتاج لولى “ذكر” ولو أصغر منها سنا لعقد زواجها.
- عدم الاعتراف بحق “النساء” في اختيار الزوج وحق أي “ذكر” في العائلة فسخ عقد زواجها استناد إلى ما يراه “عدم التكافؤ”
- استكمال الاستناد إلى مذهب أبى حنيفة كمرجع وحيد دون باقي المذاهب أو مبادئ الشريعة مما يؤدى إلى حق أي “ذكر” في العائلة منع “النساء” من السفر مهما كان منصبها أو متطلبات السفر.
-
غيّر ترتيب الأب في حضانة الأطفال ليتقدم بعد الأم والجدات، لم يذكر الأم على الإطلاق في الولاية على الأطفال مما يجعل الأم “مكنة تفريخ أطفال بلا أي علاقة قانونية بهم ” وبناء عليه:
- لا تستطع قيد ميلاد طفلها.
- لا تستطيع الإشراف على أمواله أو حتى معرفة وضعه المالي وحماية مصالح الطفل.
- لا تستطع اتخاذ قرار بشأن إجراء عملية جراحية له.
- لا تستطيع استخراج جواز سفر لابنها أو بطاقة شخصية أو دعم طفلها فى أي تعامل قانونى باعتبارها أم.
- لا تستطيع اختيار نوع التعليم أو التدخل الدراسي إلا فى حال الخلاف مع الأب وصدور أمر قضائي بالولاية التعليمية.
- منع سفر الأم الحاضن بالطفل بغير أذن غير الحاضن، لكنه لم يقيد سفر الأب بالطفل مما يفتح الباب لخطف الأطفال خارج البلاد.
- نظّم ما يسمى بحق الأب فى استضافة الأطفال فى حالة الخلاف مع النص على الحبس فى عدم إعادته للأم ولم ينص على أي آليات تنفيذية تضمن سلامة الطفل النفسية والجسمانية أو تحميه من التعدي.
- لم يساهم القانون فى تقديم أي تصور إجرائي تنظيمي يساهم فى حسم المشاكل الإجرائية فى المحاكم والتي تجعل دعاوى الأسرة ومن أخطرها النفقة؛ والتي تستمر لسنوات مما يضع الأطفال فى حالة من الجوع والعوز.
- استمر في إلقاء عبء اثبات دخل الزوج فى النفقات على الزوجة دون تقديم أي تصور حديث مما يجعل معاناة الأمهات والأطفال فى البحث عن اثبات لا تتوقف.
- لم يساهم فى تقديم حل ناجز فى ضمان مسكن للأطفال فى حال الخلاف لحمايتهم من المبيت فى الشارع فى حال طردهم من منزل الزوجية.
- ألغى اختصاص المحاكم الجنائية فيما يتعلق بمنقولات الزوجية مما يحرم النساء من أي قوة ضاغطة لاستلام منقولاتها لتصبح فى حال الخلاف بلا سكن أو فرش.
- لم يقدم أي رؤى تتماشى مع تغيرات العصر وتطور أدوار النساء التي أصبحت تُعيل بمفردها ما يقرب من ثلث الأسر المصرية وتساهم فى الإنفاق بدرجة كبيرة فى أغلب الأسر.
- لم يتطرق لتنظيم الطلاق وجعله أمام القاضي لحسم الحقوق المترتبة عليه.
- لم يتطرق لتنظيم التعدد الذى يدمر أسر كاملة.
- لم يراعى استخدام لغة تؤكد على قيام الأسر على المودة والرحمة والشراكة فى اتخاذ القرارات إنعكاسا لواقع النساء تشارك فيه فى المسئولية حتى فى الإنفاق.
الخلاصة أن القانون صادم ومحبط؛ ففي الوقت الذي تقترح المملكة العربية السعودية مسودة قانون تستند إلى رؤى فقهية مستنيرة تساهم بحق فى الإنصاف، تقدم مصر مسودة قانون تستند إلى أكثر الرؤى تشدداً ولا تتعامل مع واقع تساهم فيه النساء ماليا وإنسانيا، ولم تعد أصلا تحصل على مهر فى تأسيس الزواج أو لديها رفاهية عدم المشاركة فى الإنفاق.
ومن الجدير بالذكر أن الإمام محمد عبده قّدم فى بداية القرن الماضي ١٩٢٠ مشروع قانون للأحوال الشخصية استند إلى قراءات متعددة وتفسيرات دينية تتماشى مع العصر، وتحترم النساء كمواطنات كاملات وتجعل تنظيم الطلاق وتعدد الزوجات أمام القضاء حتى تحسم الحقوق المترتبة عليه.
فإذا بعد مرور قرن كامل من الزمن نعيد تقديم قانون محافظ منغلق لا يتماشى مع أي أدوار تقوم بها النساء أو مع متطلبات الواقع، ويساهم فى مزيد من الظلم والتعقيد فى الحياة الأسرية فى مصر.